
بعد صدور المقررات الوزارية.. مشروع القطار فائق السرعة القنيطرة مراكش يدخل مرحلة التنفيذ
يشكل مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش أكثر من مجرد بنية تحتية للنقل، فهو مشروع تنموي استراتيجي يترجم رؤية المغرب لبناء اقتصاد متكامل ومستدام، يربط بين الأقطاب الصناعية والاقتصادية الكبرى في الشمال والجنوب، ويعزز مكانة البلاد كمنصة إفريقية رائدة في النقل الحديث والطاقة النظيفة.
وبعد صدور المقررات الوزارية الأخيرة في الجريدة الرسمية، دخل المشروع مرحلة حاسمة تسمح ببدء إجراءات تعبئة الأراضي المخصصة للمسار السككي، ما يمثل خطوة تنفيذية مهمة نحو تحويل هذا المخطط إلى واقع ميداني.
وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن عمليات نزع الملكية تشمل مناطق متعددة من بينها الرباط (أكدال/الرياض)، المحمدية، الصخيرات، تمارة، إقليم مديونة، ومقاطعة كليز بمراكش، ويعد هذا المشروع من أضخم الاستثمارات العمومية في المغرب، إذ تقدر كلفة الخط الرئيسي بين القنيطرة ومراكش بـ 53 مليار درهم، ضمن كلفة إجمالية تبلغ 96 مليار درهم تشمل اقتناء قطارات جديدة وتحديث الشبكة السككية الحالية.
ويهدف المشروع إلى تعزيز الترابط الاقتصادي بين القطب الصناعي في الشمال (طنجة والقنيطرة) والقطب الاقتصادي في الجنوب (الدار البيضاء ومراكش)، بما يساهم في تنشيط حركة السلع والخدمات واليد العاملة، وخلق فضاء اقتصادي موحد عالي الإنتاجية. كما سيسهم في تسهيل تنقل المواطنين بين المدن الكبرى، وفتح آفاق جديدة للعمل والتعليم والرعاية الصحية، مع استفادة المدن المتوسطة مثل المحمدية وتامسنا وضواحي مراكش من محطات سككية حديثة وخدمات لوجستية متطورة تعزز التنمية المحلية والاندماج الجهوي.
ويتم تمويل المشروع، وفق ذات المعطيات، من خلال شراكة متعددة الأطراف تضم الدولة والمكتب الوطني للسكك الحديدية وشركاء دوليين وأوروبيين وفرنسيين، إضافة إلى صناديق عربية ومساهمات الجهات الترابية، من أبرزها جهة الدار البيضاء – سطات التي خصصت 1.6 مليار درهم لدعم المشروع، في تجسيد واضح للتوجه نحو اللامركزية الاستثمارية وربط التنمية الجهوية بالمشاريع الوطنية الكبرى.
وقد نصت المقررات الوزارية على اعتبار الخط السككي منفعة عامة، مما يضمن حقوق المواطنين أثناء عمليات نزع الملكية، عبر تعويض عادل ومسبق، مع إتاحة الاطلاع على التصاميم لمدة 15 يوما لتقديم الملاحظات في إطار البحث العمومي، وإمكانية الطعن أمام القضاء الإداري عند الاعتراض على قيمة التعويض. كما تعمل السلطات على تبسيط المساطر الإدارية ومواكبة الأسر المعنية، مع دراسة خيارات التعويض العيني أو إعادة التوطين في بعض الحالات الخاصة.
ويشكل المشروع جزء من التحول البيئي الذي يشهده المغرب في قطاع النقل، إذ يعتمد القطار فائق السرعة على الطاقة الكهربائية النظيفة، مع التوجه إلى تشغيله مستقبلا بالطاقة المتجددة من الرياح والشمس المنتجة محليا.
وكان المكتب الوطني للسكك الحديدية قد أعلن إدراج الخط ضمن مبادرة “ONCF Éco-Mobility” الهادفة إلى تشغيل أكثر من 50٪ من الشبكة الوطنية بالكهرباء الخضراء بحلول سنة 2026، ليصبح خط القنيطرة – مراكش أول خط فائق السرعة في إفريقيا يعمل بالطاقة المتجددة بالكامل.
كما تتضمن الدراسات التقنية للمشروع إجراءات بيئية صارمة، من بينها تركيب حواجز صوتية في المناطق السكنية للحد من الضوضاء، واعتماد معايير بناء صديقة للبيئة للحد من الغبار والانبعاثات خلال الأشغال، فضلا عن إجراء تقييمات بيئية دقيقة في كل مقطع لضمان حماية التنوع البيولوجي والموارد المائية.



