جليزمراكش

مراكش: نسف معلمة الخزانة البلدية بفعل سياسة الإرتجال والإستهتار

احمد رمزي الغضبان/مراكش

كيف يمكن أن يتصور سائح أجنبي يزور لأول مرة مدينة مراكش الدولية فلا يجد بها مرفقا لمكتبة عمومية تسهم في نشر ثقافة المدينة وتراثها، وسيكبر هذا الاستغراب لدى هذا الزائر الأجنبي حقا عندما يعلم أن الهيئات المحلية المسؤولة عن قطاع الثقافة بمدينة مراكش تصادق على الإفلاس في مختلف الملفات التي ترتبط بقطاع الثقافة والإبداع في هذه المدينة الغراء، فماذا لو بعث مؤسس مدينة مراكش من مرقده وعاين ما آلت إليه الأمور في عاصمته؟؟

إن الفضل في التأسيس للنواة الأولى للمكتبات العمومية بمدينة مراكش إنما يعود إلى الفرنسيين الذين أحبوا هذه المدينة وأقاموا فيها لمدة، ففي عشرينيات القرن الماضي تحديدا أسس هؤلاء الفرنسيون أول مكتبة عمومية بمدينة مراكش، ودعموها بأهم المراجع والمصادر والمؤلفات، واشرفوا على تسيير شؤونها الإدارية بكل الاهتمام ، وتدبير رصيدها الوثائقي الهام بكل العناية، واستمرت هذه المكتبة العمومية في خدمة مثقفي المدينة وباحثيها في مختلف مجالات المعارف،وكان رصيدها الوثائقي في مجمله باللغة الفرنسية فقط، واستمرت مكتبة مدينة مراكش هذه إلى ما بعد الاستقلال، لتصبح على اثر ظهور القانون المحدث والمنظم للجماعات المحلية بالمغرب مكتبة تحت إشراف الهيئات المحلية المنتخبة، ولم يتم تطعيمها بالكتب العربية حتى عام 1977 حيث تمت أول عملية لاقتناء الكتب والمؤلفات باللغة العربية، وأصبح اسمها الخزانة البلدية لمدينة مراكش، وتم نقلها من مقرها الأول المحاذي لقصر البلدية بشارع محمد الخامس إلى مقرها الجديد بعد ان تم بناؤه بباب الجديد محاذيا لمنتزه الأميرة لالة حسناء حاليا، وكان بالفعل مقرا مميزا مجاورا لعدد من ابرز المعالم التاريخية للمدينة كصومعة الكتبية و( دار مولاي علي) وغيرها.

واعتبارا للعديد من الأسباب التي يأتي في مقدمتها غياب الحس الثقافي لدى اغلب منتخبي الهيئة المحلية التي تشرف على هذا المرفق، إلا أن الخزانة البلدية قد استطاعت بالفعل أن تنفتح على مختلف المؤسسات التعليمية من مستوى التعليم الابتدائي حتى مراحل التعليم العالي، كما استقطبت مثقفين وباحثين ومهتمين بشان المعرفة والإبداع على المستوى المحلي والوطني والعربي أيضا، ومع مرحلة التسعينات بدأت الخزانة البلدية تسجل تراجعا يترجم للمستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي المتردي للمشرفين الجدد من منتخبي مجلس جماعة مراكش الحضرية الذين تسنموا كرسي المسؤولية.

ومن سوء الطالع أن تظل الخزانة البلدية بما تضمه من رصيد ثقافي ومعرفي قوي ونادر تحت إشرافهم، وخاضعة لتسييرهم الردئ والعقيم، ليفاجأ مثقفو مدينة مراكش وطلبتها ذات يوم بصدور قرار بهدم مرفق الخزانة البلدية لأسباب ظلت حتى اليوم مجهولة، كما تم تشتييت رصيدها الوثائقي الذي يضم بالفعل ذخائر ثمينة من المصادر والمراجع التي لا توجد في اكبر المكتبات العربية الإسلامية اليوم، إلى جانب رصيد هام جدا من الإصدارات الفرنسية التي كانت تقدم كهبات خاصة لهذه الخزانة من طرف بعض الأدباء والمفكرين والمبدعين الفرنسيين الذين كانوا يقيمون بمدينة مراكش، وكان من بينهم السيد GASTON DEVERDUN مؤلف الإصدار القيم MARRAKECH DES ORIGINES 1912 تاريخ طبعه عام 1959.

هذا وافتح قوسين لأسال مجلسي الجماعة الحضرية لمدينة مراكش المجلس السابق والحالي عن الأبعاد في مختلف قرارات تدمير مرافق الثقافة والإبداع في المدينة التي تظل مفتقرة إلى مسارح وقاعات للعروض التشكيلية والمسرحية؟ ثم ما رايكم في قراركم الأعمى الذي تم بمقتضاه نسف مرفق الخزانة البلدية التي حولتموه إلى مجرد بناء مهجور كان بالأمس القريب محجا لأهل العلم والفكر والثقافة من الطلبة والتلاميذ والأساتذة والمهتمين ينهلون من مناهل العلوم والمعارف؟؟؟

دول الغرب اليوم تقيم اكبر المكتبات لأبناء شعوبها دعما للعلم والثقافة، إسهاما منها في الترسيخ لقيم البحث ودعم أسس التنمية البشرية، وانتم تصادقون بسرعة البرق على نسف مرافق العلم والثقافة في مدينة عريقة أنجبت كبار العلماء والمفكرين والفقهاء الذين بلغ صيتهم أقصى دول المعمور، تماما كما صادقتم سابقا على نسف وإتلاف أسواق الكتاب وطمس معالم الفكر والثقافة في عاصمة ابن تاشفين مراكش التي تحولت إلى فضاءات للأكل وإشباع البطون، إسهاما بليغا منكم من اجل اغتيال العقول، وأمام هذا الوضع المتردي والمسئ إلى قيم حضارتنا وثقافتنا وهويتنا ومرافقنا الثقافية بمدينة مراكش، لا يسعني إلا أن اختم بقول الشاعر العربي الكبير ابي الطيب المتنبي:
أغاية الدين أن تحفوا شوانبكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى