
في قلب ممر “البرانس” الشهير بالمدينة العتيقة لمراكش، حيث تتقاطع الثقافات وتتلاقى جنسيات متعددة، اختار أحد المطاعم أن يخلد ذكرى مستخدمه السابق “كَامو”، الشاب السينغالي الذي خطف الأضواء بابتسامته، قبل أن يخطفه البحر وهو يطارد حلم الهجرة إلى “الفردوس الأوروبي”.
وُلد “كَامو” سنة 1987، وذاع صيته وسط رواد المطعم المذكور، ليس فقط بفضل هندامه الأنيق والطريقة الفريدة التي كان يرحب بها بالسياح، بل أيضا بطيبته وبشاشته التي جعلته محبوبا لدى الزبائن، خصوصا من الفرنسيين والبريطانيين، لدرجة أن بعض السائحات، حسب زملائه، عرضن عليه مرافقتهن إلى الخارج، لكنه كان يرفض، متمسكا بأمل أن يحقق حلمه بنفسه، وبطريقته.
في شهر نونبر من سنة 2024، قرر كَامو أن يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، حيث انطلق على متن أحد “قوارب الموت” من شواطئ الأقاليم الجنوبية للمملكة نحو جزر الكناري، وبحسب ما يرويه أصدقاؤه السنغاليون، نقلا عن ناجين من نفس الرحلة، فقد اختار القفز من القارب حينما لمح عناصر الحرس الإسباني قبل أن تصل الرحلة إلى الشاطئ، ليقضي غرقا لكونه لم يكن يجيد السباحة.
وبعد انتهاء الإصلاحات التي كان يخضع لها المطعم، قرر مالكه أن يخلد ذكراه بطريقته الخاصة من خلال رسم صورته على حائط المطعم، تجسد الطريقة التي كان “كَامو” يستقبل بها الزبائن، في لفتة مؤثرة تعكس عمق الأثر الذي تركه في نفوس كل من عمل أو تعامل معه.
قصة “كَامو” ليست استثناء، فهي تجسيد حي لمعاناة آلاف المهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يرون في المغرب مجرد محطة مؤقتة في طريق رحلتهم نحو الشمال للعبور نحو الضفة الأخرى، رغم ما تحمله الرحلة من مخاطر مميتة.