
ضمنها موظفين وموثق ومحامية.. تفكيك شبكة متورطة في السطو على عقارات الدولة بفاس
في ضربة أمنية نوعية، تمكنت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة فاس من تفكيك شبكة إجرامية متخصصة في الاستيلاء على عقارات تابعة للدولة، عبر طرق احتيالية اعتمدت على استغلال سذاجة بعض المواطنين وتواطؤ موظفين داخل إدارات عمومية.
وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن التحقيقات كشفت أن الشبكة كانت تسجل هذه العقارات باسم أشخاص بسطاء، تم استغلال جهلهم بالإجراءات القانونية، قبل أن تُعاد عملية البيع لاحقا بمبالغ ضخمة لصالح أفراد الشبكة.
وتورط في هذه القضية موظفون بعدد من المصالح العمومية، بالإضافة إلى موثق معروف بمدينة فاس، ومحامية كانت تشرف على دعاوى قضائية هدفها التغطية على هذه العمليات غير القانونية.
وبناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، تم تجميد أرصدة الموثق المعني وممتلكاته العقارية والمنقولة، مع إصدار قرار بمنعه من مغادرة التراب الوطني رفقة المحامية المشتبه بها، في انتظار تعميق التحقيقات التي قد تطيح بمسؤولين آخرين داخل المحافظة العقارية، وإدارة أملاك الدولة، والمديرية الجهوية للضرائب.
التحريات الأولية أوضحت أن زعيم الشبكة المدعو “م.ب” كان يوفر السيولة المالية لتنفيذ هذه العمليات، في حين تكفل الموثق “م.ه.ح”، الذي يزاول المهنة منذ سنة 2000، بإعداد عقود بيع صورية، مستغلا ثغرات قانونية وتواطؤا محتملا داخل بعض الإدارات.
وتعتمد الخطة الإجرامية على الاستيلاء على عقارات عمومية مثقلة بالديون، حيث يتم نقل ملكيتها بشكل صوري لأشخاص بسطاء، يتكفل بعدها زعيم الشبكة بتسديد ديونهم مقابل الحصول على العقار، ثم يعيد شراءه منهم نقدا.
وقد بيّنت مراجعة سجلات التوثيق أن معظم العقود المحررة من طرف الموثق المعني لم يتم إدراجها ضمن السجلات المؤشر عليها من طرف رئيس المحكمة الابتدائية، ما زاد من الشكوك حول مدى قانونية هذه المعاملات. الموثق حاول التبرير أمام المحققين بأن ما وقع كان مجرد “سهو إداري”، إلا أن التحريات البنكية فندت أقواله.
الأدلة أظهرت كذلك أن المبالغ المالية المفترض أنها دُفعت بموجب شيكات لم يتم سحبها من الحسابات المصرّح بها في العقود، بل تبين أن زعيم الشبكة لا يتوفر أصلا على حساب بنكي في الوكالة المذكورة، مما يكشف عن عمليات احتيال ممنهجة.
واعترف المتهم الرئيسي بأن جميع المعاملات المالية تمت نقدا، على خلاف ما جاء في العقود التي ادعى فيها أداء المبالغ عبر شيكات لحظة التوقيع، بحضور الموثق.
وللتغطية على هذه العمليات، كانت الشبكة تتعمد رفع دعاوى قضائية باسم الضحايا ضد إدارة الضرائب، بهدف تعطيل المساطر وكسب الوقت إلى حين تقادم العقار قانونيا، وأيضا لإخفاء عملية البيع عن الأسماء التي سجلت العقارات بأسمائهم، وتكفلت محامية مشتبَه فيها بإدارة هذه القضايا داخل المحاكم.
وتواصل التحقيقات تعميق دائرة المتورطين، وسط مؤشرات على تورط شخصيات من داخل مؤسسات عمومية رئيسية، في ما يعتبر واحدة من أخطر قضايا النصب العقاري التي شهدتها مدينة فاس في السنوات الأخيرة. هذا وتُطرح مجددا تساؤلات حول فعالية أنظمة الرقابة الداخلية، وضرورة مراجعة آليات توثيق العقود لحماية الملك العمومي من شبكات التلاعب والفساد.