وطني

مجلس النواب يصادق بالأغلبية على قانون التعليم العالي وسط انقسام وجدل متواصل

صادق مجلس النواب، في بداية الأسبوع الجاري، بالأغلبية على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، منهيا مسارا تشريعيا اتسم بتوتر سياسي واعتراضات واسعة من الأوساط الأكاديمية والنقابية، في خطوة كرّست خيارا حكوميا تم تمريره بالاعتماد على الأغلبية العددية، رغم التحفظات المتزايدة داخل الجامعة العمومية وخارجها.

وحصل المشروع على تأييد 100 نائب مقابل معارضة 40، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، في مشهد يعكس حجم الانقسام الذي رافق هذا النص منذ إحالته على البرلمان، بين من اعتبره إصلاحا ضروريا طال انتظاره، ومن رأى فيه مدخلا مقلقا لإعادة رسم أدوار الجامعة العمومية ووظيفتها الاجتماعية.

وخلال جلسة تشريعية امتدت إلى وقت متأخر من يوم الاثنين، دافعت الحكومة بقوة عن المشروع، مؤكدة أنه لا يمس بمبدأ مجانية التعليم العالي ولا باستقلالية الجامعة، وهما النقطتان اللتان شكلتا محور الانتقادات البرلمانية والنقابية والطلابية.

وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن المشروع يندرج ضمن دينامية وطنية شاملة، تتقاطع فيها التحولات الداخلية مع المتغيرات الدولية ومتطلبات التنافسية العالمية، مشيراً إلى أن مرور أزيد من خمسة وعشرين عاما على اعتماد القانون 01.00 يفرض مراجعته لمعالجة اختلالات تراكمت داخل المنظومة الجامعية، سواء على مستوى الحكامة أو التمويل أو البحث العلمي أو ملاءمة التكوين مع حاجيات المجتمع والاقتصاد.

وأوضح الوزير أن النص استند إلى مجموعة من المرجعيات المؤطرة، من دستور 2011 إلى القانون الإطار للتربية والتكوين، مروراً بالتوجيهات الملكية وتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، مؤكداً أن الطالب يوجد في صلب المنظومة الجديدة، وأن استقلالية الجامعة جرى تعزيزها وليس تقليصها.

في المقابل، ظل النقاش البرلماني مشحوناً، حيث عبّرت فرق المعارضة عن تخوفها من أن يفتح المشروع الباب أمام أشكال من الخوصصة غير المباشرة للتعليم العالي، خاصة من خلال توسيع الشراكات مع القطاع الخاص وإحداث بنيات جديدة قد تمس باستقلالية القرار الجامعي.

وردّت الحكومة بنفي هذه الاتهامات، معتبرة أن المشروع ذو بعد مجتمعي موجّه للأجيال المقبلة، ولا يتضمن أي تراجع عن مجانية التعليم، كما شدد الوزير على أن صلاحيات مجلس الجامعة لم يطرأ عليها أي تغيير، وأن مجلس الأمناء الجهوي يضطلع فقط بدور استراتيجي وتأطيري يروم تعزيز الارتباط الترابي للجامعة بمحيطها التنموي.

وفي ما يتعلق بالبحث العلمي، أبرز الوزير أن المشروع يؤسس لمنظومة وطنية مندمجة للبحث والابتكار، قائمة على آليات تمويل مهيكلة، مع تعزيز مكتسبات الموارد البشرية الجامعية وتحسين شروط عملها، إضافة إلى تكريس التخطيط الاستراتيجي وتحقيق العدالة المجالية.

ورغم المصادقة على النص، لم يُطوَ الجدل حوله، بل انتقل إلى مرحلة جديدة مرتبطة بكيفية تنزيله. وفي هذا السياق، اعتبر خبير في سياسات التعليم العالي أن ما جرى لا يرقى إلى إصلاح توافقي، بل يعكس فرض رؤية أحادية تحت غطاء التحديث، محذرا من أن مكمن الخطورة لا يكمن في مضامين القانون الحالية، بل في الإمكانات التي يفتحها مستقبلا لإعادة تعريف تمويل الجامعة وربطها بمنطق النجاعة والسوق دون تحصين اجتماعي واضح.

وأضاف الخبير أن الحفاظ على مجانية التعليم لا يقاس بالتصريحات، وإنما بالاختيارات الميزانياتية وسياسات الدعم وضمان الولوج المتكافئ، معتبرا أن تمرير القانون يعكس عجزا عن مواجهة الأزمة البنيوية للجامعة العمومية أكثر مما يجسد إرادة إصلاحية جريئة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى