مراكش

الثائرة الملعونة

“بصيغة أخرى” سلسلة حلقات تنبش في حيوات شخصيات دينية، فنية، فكرية وسياسية لتقدمهم بصورة غير معتادة وتكشف جوانب خفية من سِيَرهم وقد تكشف عن خيط ناظم بين ماضيهم و حاضرنا..كل ذلك لغاية تزجية الوقت الرمضاني.

الثائرة الملعونة

ورد في الإنجيل كما التلمود والتوراة وكذا الأساطير السومرية،  أن سيدة تدعى “ليليث” كانت في الحقيقة هي الزوجة الأولى لآدم وليست حواء..(!) باذخة الحسن والجمال، صعبة المراس، متقلبة الأهواء.. خلقت مع آدم في نفس الوقت، وبنفس الطريقة.. ولهذا السبب ،اعتبرت نفسها مساوية له ولا يمكن أن تكون أقل منه على أي مستوى كان : لا دينيا ولا عقليا ولا حتى بيولوجيا.. لذلك رفضت أن تكون تابعة أو خاضعة له كما رفضت أي شكل لهيمنته أو سيطرته.

وقد كان هذا الموقف والتعنت  في أصل الشجار والخلاف الدائمين بينهما.. لم تقبل أن تهتم بشؤون البيت والأطفال، ولم يَرُقها أن يقضي زوجها النهار تحت ظلال الشجر، بينما هي تطبخ، وتكنس..ترضع الصغار، وتفكر في عزلتها الأبدية، وكيفية تغيير قدرها ومصيرها وفي غد أوسع وأبعد من أحلامها.

هكذا، وبسبب خلافات “ليليث”العنيدة، وصداماتها الكثيرة مع آدم، هربت ذات يوم من بيت الزوجية، مخلفة وراءها المئات من الأطفال الذين أنجبتهم في خضم العناد والخلاف، لِيَهْتم والدهم بشؤون تربيتهم ورعايتهم، لم يكن يهمها آنذاك أن تحظى بلقب” أم البشرية” ولا ما قد يكون لذاك اللقب من بَعْد، من أهمية على وجه البسيطة.. لقبٌ لم يسعها والحال تلك أن تناله، لتلتقطه منها بكل سخاء سيدة الكون “حواء”.. في رحلة تَيْهها الطويلة في دروب الحياة، التقت “ليليث” الثائرة المتشردة الغاضبة، بأحد الشياطين المغضوب عليهم وكان إسمه “سِمائيل”.. كانا كثمرة انقسمت نصفين.. يشبهان بعضهما في كل شيء كما الطيور التي على أشكالها تقع، تزوجا وأنجبا العديد من العفاريت والشياطين الصغار الذين يملؤون اليوم مشارق الأرض ومغاربها، كبروا، وورثوا بدورهم كل الشرور وكل القبح يوزعونه أينما حلوا وارتحلوا..

في النهاية، تبقى “ليليت” مع ذلك – لو وجدت فعلا وحقيقة-  رمزا لرفض السيطرة الذكورية ورفض النموذج المسطر مسبقا لحياتها كامرأة، و تظل قصتها النواة الأولى لما يطلق عليه اليوم الحركة النسائية/ le féminisme
فسلاما للجدة الثائرة، وسلاما لحفيداتها: نوال السعداوي، فْريدة كاهلو، فاطمة المرنيسي، سيمون دو بوفوار، فدوى طوقان، غولشيفْتي فارحاني، سحر خليفة، مي زيادة، جوزيفين بيكر، هدى شعراوي……. واللائحة طويييييييييلة.

مريم الأزدي- رمضان 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى