اهتزت مدينة إيمنتانوت بإقليم شيشاوة، عصر اليوم الخميس، على وقع حادث صادم بعد أن أقدم شخص يعاني من اضطرابات عقلية على رمي رجل مسن من علو شاهق، على مستوى شارع الحسن الثاني قرب حمام الولجة، ما تسبب في تعرض الضحية لإصابات متفاوتة.
وبحسب المعطيات التي توصلت بها صحيفة “المراكشي”، فإن الضحية، وهو رجل في عقده الثامن، أصيب بعدة كسور ورضوض بعد رميه في منحدر يناهز عمقه 10 أمتار، وتم نقله بشكل مستعجل عبر سيارة إسعاف تابعة للوقاية المدنية إلى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية.
الجاني، الذي فر من مكان الحادث فور ارتكابه الفعل الإجرامي، تمكنت السلطات المحلية من تعقبه وتوقيفه في وقت وجيز، حيث تم تسليمه إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ويُشار إلى أن المختل المنحدر من حي تازروت بالمدينة، سبق للسلطات المحلية أن أحالته عدة مرات على مؤسسات الرعاية الصحية العقلية، لكنه يعود مجددا بعد شهر أو شهرين على أبعد تقدير للمدينة ليزرع الرعب في أوساط الساكنة بفعل سلوكاته العدوانية.
وقد أعاد الحادث إلى الواجهة قضية التكفل بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، والدور الذي ينبغي أن تلعبه الجهات المختصة لحمايتهم وحماية المجتمع من حالات محتملة للعنف أو الانفلات.
ويأتي هذا الحادث في وقت تقرر فيه إغلاق مستشفى السعادة للأمراض النفسية والعقلية بمراكش، دون إشعار مسبق أو وضع خطة واضحة لضمان استمرارية العناية الطبية للنزلاء، في خطوة وصفها حقوقيون بـ”الغريبة وغير المفهومة”.
هذا القرار المفاجئ أثار موجة من القلق في أوساط المدافعين عن حقوق الإنسان، خصوصا بعد تداول أنباء عن تحويل بعض المرضى إلى مستشفى قلعة السراغنة، في حين لا يزال مصير آخرين مجهولا.
وقد عبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع المنارة مراكش، في بلاغ توصلت صحيفة “المراكشي” بنسخة منه، عن قلقها البالغ من تدهور المنظومة الصحية بالمدينة، وخاصة ما يتعلق بالصحة النفسية والعقلية، التي تعاني – حسب تعبير الجمعية – من “تراكم سنوات من الإخفاقات واللامبالاة”، وهو ما انعكس سلبا على أوضاع المرضى وأسرهم.
وسبق للجمعية أن نبهت مرارا إلى ما وصفته بـ”الوضع الكارثي” داخل مستشفى ابن النفيس للأمراض العقلية، من حيث الاكتظاظ وغياب الأسرة، ونقص الأدوية الأساسية، إضافة إلى تعقيد مساطر الولوج إلى العلاج، حتى في الحالات المستعجلة.
ويؤكد فرع الجمعية بمراكش أن الإطار القانوني المنظم للصحة العقلية في المغرب، والمتمثل أساسا في الظهير رقم 1.58.295 الصادر سنة 1958، لم يعد يواكب التطورات الحديثة ولا ينسجم مع المبادئ الدولية للرعاية والحماية في مجال الصحة النفسية.
وقد طالبت الجمعية بتحيين هذا الإطار وتوفير كل مستلزمات العلاج محليا، دون الحاجة إلى تنقل مرهق للمريض وأسرته.
وفي سياق متصل، عبرت الجمعية عن أسفها لغياب أي اهتمام يذكر بالصحة النفسية للأطفال والمسنين المتخلى عنهم، معتبرة أن الوضع الحالي يفضح زيف الشعارات الرسمية المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ويكشف تقاعس الجهات المسؤولة، بما في ذلك وزارة الصحة ومندوبية الصحة الجهوية ومصالح ولاية مراكش، في إرساء سياسة صحية عمومية تضمن حق المواطن في العلاج والرعاية النفسية اللائقة.
وأمام هذا الوضع، تدعو الجمعية إلى فتح حوار جدي حول أوضاع الصحة العقلية، ومساءلة الجهات المسؤولة عن تدهور الخدمات، والعمل على بلورة استراتيجية وطنية تراعي كرامة المرضى وتكفل حقهم في العلاج ضمن شروط تحفظ إنسانيتهم وأمنهم الصحي.
