جليزمراكش

كاران جوهر في مراكش.. من شغف الطفولة إلى قمة بوليود

لم تكن صناعة الأفلام جزء من اهتمامات الوسط الاجتماعي حيث عاش النجم الهندي الشهير كاران جوهر، رغم أن والده كان منتجا سينمائيا مكرسا. لكنه ظل منذ طفولته المبكرة مشدودا إلى هذا العالم الساحر: الديكورات وتناغم الألوان وأناقة الملابس وكل التفاصيل الصغيرة التي تصنع فيلما يبهج العين والقلب معا.

أما الأغاني الهندية الكلاسيكية فقد كانت “جزء من هويته”، وبوابة ولوجه إلى عالم بوليود، كما أفضى بذلك خلال استضافته في فقرة “حوارات”، مساء أمس الجمعة، ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش.

وعلى عكس المتوقع، كان والده، المخرج ومنتج الأفلام الهندي الشهير ياش جوهر، يرفض أي اقتراب لابنه من “عالم بوليود غير المستقر”. يقول كاران، بابتسامة هادئة، “كنت أتسلل من البيت وأذهب إلى قاعة السينما”، كأنه يبحث عن منفذ صغير نحو شغفه الآسر، المطوق بأغلال البيئة غير المساعدة والخوف الأبوي من أن تلتهم الآلة البوليودية الهائلة طموحات الابن بقضمة.

+ طوق نجاة +

وحدها الصدفة العجيبة قادت النجم الشهير شاروخان ليلقي إليه بطوق النجاة. في ذلك الوقت، كان جوهر يكافح – وحيدا – ليجد موطئ قدم تحت شمس بوليود اللاهبة، فعمل مساعد مخرج في أحد الأفلام.

وفي هذا الفيلم، كان اللقاء التاريخي بين جوهر وشاروخان لأول مرة. طُلب منه وقتذاك مرافقة النجم في اختيار ملابس الشخصية التي سيؤديها، لكن هذا اللقاء العابر أفضى إلى نشوء “كيمياء” إنسانية فريدة بين الرجلين.

يقول المتحدث “في غمرة نقاشاتنا المهنية أثناء تصوير الفيلم، انقدحت تلك الكيمياء العجيبة بيننا، حتى صرت أعتبره فردا من العائلة”.

ويبدو أن ما بدأ لقاء مهنيا عابرا بين نجم عالمي وأحد أفراد الطاقم الفني لفيلم، قيد الإنجاز، تحول إلى إعلان صريح عن قدوم مبدع ملهم، اسمه كاران جوهر.

في العام 1998، وبدعم من صديقه، أخرج جوهر باكورة أعماله “شيء ما يحدث”، الفيلم الذي أحدث رجة في سينما بوليود، وجمع شاروخان وكاجول وراني موخرجي. ثم حصد نجاحا غير مسبوق، جعله أحد أبرز أفلام السينما الهندية المعاصرة.

كان هذا الفيلم بمثابة “قطيعة” مع ما كان سائدا في سينما بوليود آنذاك، يؤكد المخرج الهندي. لكن لحظات الشك والحيرة اقتحمت في البداية – برغم بريق الأمل الظاهر – المخرج الصاعد، فآثر السفر إلى لندن ليصم آذانه عن أصداء منجزه الإبداعي الأول. “عشت، بعد بداية عرض الفيلم، لحظات توتر عصيبة”، يعلق جوهر، “ولم أكن أدري ساعتها أنني حققت كل ذاك المجد”.

يعترف الرجل بأفضال شاروخان، ويصف علاقته بالنجم الكبير بـ”الديناميكية”، قائلا إنه كان “بمثابة المنقذ الذي يتدخل في اللحظة المناسبة، مقدما حلولا فنية وتقنية في مواقع التصوير حين تتعقد الأمور”.

ولعل من أسباب نجاح كاران جوهر أن للسينما الهندية – حقا – عالمها الغنائي الخاص. وقد كان ملما بجماليات الرقص الهندي. والمشاهد الغنائية في أفلامه، كما يقول، تتطلب أياما طويلة من التصوير، وقد تضطره أبسط الهفوات ــ مثل تعثر ممثلة في فستان “الساري” – إلى إعادة اللقطة من جديد. وكل ذلك مرتبط بمهارة المخرج ومصمم الرقصات. وقد كان ماهرا في كل ذلك.

يؤكد جوهر، وهو أحد أشهر الفاعلين في الصناعة السينمائية الهندية خلال ربع القرن الماضي، أن الفيلم البوليودي ليس مجرد مشاهد بصرية لقصة تتضمن حوارا، ولكنه عالم مكتمل من الأحاسيس التي تكثفها الأغاني.

+ تجربة وجدانية+

في مشهد بوح عاطفي، مثلا، يوضح المخرج، “يمكن أن يتم تصوير ذلك في أي مكان، في المقهى أو حتى في الحافلة. ولكن في سينمانا، قد يتم تصوير المشهد على كرسي في مكان عمومي تحت المطر، حتى نكثف المشاعر. هذه خصوصية السينما الهندية.. ولا أحد يصنع مثل هذه السينما في العالم”.

ولأن الأفلام الهندية غالبا ما تفيض بالعاطفة المتدفقة، فقد كانت أفلامه تميل غالبا إلى الإطالة. يعقب جوهر، تعلو وجهه الابتسامة الهادئة ذاتها،” أفلامي طويلة جدا، وقد تفوق ثلاث ساعات.. الجمهور الهندي يحب ذلك. إذا قدمت فيلما من ساعتين فقط، يعتبرون أنك لم تقدم عملا كاملا”.

ولذلك، يراهن السينمائي الهندي الشهير على رعاية هذه العلاقة الخاصة مع الجمهور، لأن مشاهدة فيلم، بالنسبة إليه، ليست متابعة لأحداث متلاحقة وشخصيات متصارعة فحسب، بل هي تجربة وجدانية تخاطب المشاعر العميقة للمتلقي.

ويعد فيلم “لا تقل وداعا أبدا” ، وهو الفيلم الذي طرح موضوع الخيانة الزوجية، محطة لافتة في مساره الإخراجي. يكشف جوهر أن شاروخان أبدى بعض التردد في قبول الدور “لأن ذلك قد يصدم الجمهور الذي اعتاد رؤيته في دور العاشق المثالي”. لكنه اقتنع، في النهاية، بخوض التجربة.

يحكي مخرج الفيلم أنه خاطب النجم الهندي قائلا “أنت شاروخان.. والجمهور سيتقبلك لأنك شاروخان!”. ثم حسم النقاش.

جوهر ناقش، شأن الكثير من الأفلام الهندية، تيمة “الحب الأبدي”. حدث ذلك في فيلم “العيش بدونك مستحيل يا قلبي”، الذي يعترف بأنه ساعده على تجاوز جراح عاطفية عميقة. “تحطم قلبي في علاقة سابقة”، يضيف المخرج، لكن هذا الفيلم “منحني القوة لكي أسيطر على مشاعري”.

في بوحه، وسط نخبة من المهتمين بالفن السابع بمراكش، أعرب المخرج والسيناريست والممثل والمنتج جوهر كاران، عن امتنانه للحفاوة التي استقبل بها في المدينة الحمراء. وقال “أحببت المغرب وشعبه وهذا المهرجان كثيرا. جئت هنا أول مرة سنة 2012، وقد عدت هذا العام، وفي كلتا المرتين وجدت الترحيب والحب نفسيهما”.

ولا يُعنى المخرج الهندي البارز كثيرا بالتراث الذي سيخلفه. “ذلك شأن لا يهمني”، يقول في ثقة، قبل أن يؤكد أن ما يهم هو أن يواصل مشروعه السينمائي بما يقتضيه ذلك من طموح إبداعي، وبواقعية من “يحاول دائما أن يوازن بين المقتضيات الإبداعية والمتطلبات المالية”.

غير أن جوهر، الذي يعد اليوم أحد أبرز صناع الأفلام المعاصرين في الهند، آثر أن يلخص قصته في جملتين: “الفشل يعلمك، والنجاح يحفزك. المهم، أن تستفيد من إخفاقاتك ثم تمضي قدما إلى مشروعك المقبل”. وذاك هو الدرس.

المراكشي/ و م ع

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى