
في مشهد يتكرر كل صيف، وتحديدا في المناطق الهامشية لمدينة مراكش، دفع لهيب الحرارة المرتفعة الأطفال واليافعين إلى مغامرة قاسية بحثا عن نسمة ماء، لكنها قادتهم هذه المرة إلى نهاية مأساوية، راح ضحيتها خمسة أطفال في أقل من أسبوع بسبب الغرق في صهاريج وبرك مائية غير آمنة.
ففي الثاني من يونيو الجاري، لفظ طفلان أنفاسهما الأخيرة غرقا داخل حوض مائي مخصص للسقي الفلاحي بالقرب من دوار المرادسة، على مقربة من مدينة تامنصورت، واليوم السبت الذي يصادف عيد الأضحى، تحولت فرحة العيد إلى مأتم حزين بعدما غرق ثلاثة قاصرين بصهريج مائي بدوار فورني، جماعة سعادة، ضواحي مراكش.
الظروف التي أحاطت بالحوادث تبقى غامضة وتحتاج إلى تحقيق معمق، غير أن القاسم المشترك بينها -بحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش- هو غياب البنيات التحتية الأساسية والمرافق العامة الآمنة والمجهزة التي يمكن أن توفر للأطفال والشباب فضاءات للاستجمام تقيهم من لهيب الصيف، الذي يمتد في المنطقة من شهر ماي إلى نهاية شتنبر.
البيان الصادر عن الجمعية والذي توصلت صحيفة “المراكشي” بنسخة منه، أدان ما وصفه بـ”اللامبالاة المستمرة” من طرف الدولة تجاه مثل هذه المآسي المتكررة، محذرا من نتائجها الوخيمة على الحق في الحياة والسلامة الجسدية لفئات عمرية هشة، كما حمّل المسؤولية للسياسات العمومية التي وصفها بـ”غير الجادة”، خاصة في ما يتعلق بإنشاء المسابح العمومية والفضاءات الترفيهية، رغم وجود مشاريع معلنة منذ سنوات، لم تر النور حتى الآن.
وأعربت الجمعية عن تعازيها الحارة لأسر الضحايا، مجددة دعوتها للسلطات القضائية إلى فتح تحقيق شامل لتحديد أسباب هذه الوفيات وملابساتها، ضمانا للشفافية وكشفا للحقيقة الكاملة، كما طالبت بتشديد الرقابة على الصهاريج المائية الخاصة والعامة، والعمل على تحصينها من أي استعمال عشوائي أو خطير.
وفي وقت تعاني فيه حتى المسابح القليلة الموجودة داخل المدار الحضري من اكتظاظ خانق -يصل أحيانا إلى خمسة أضعاف طاقتها الاستيعابية- يجد المئات من الأطفال والشباب أنفسهم مجبرين على السباحة في النوافير العمومية، أو المغامرة بحياتهم في برك مائية خطرة.
واعتبر البيان أن ما يجري هو نتيجة مباشرة لـ”إخلال ممنهج” بالتزامات الدولة تجاه فئة واسعة من الشعب، إذ لا تقتصر الأزمة على غياب مسابح ومرافق عمومية آمنة، بل تتجلى أيضا في غياب الرؤية والاستثمار الاجتماعي الحقيقي في مشاريع ذات أثر مباشر على الطفولة والشباب.
واختتمت الجمعية الحقوقية نداءها بمطالبة عاجلة بوضع حد لهذا النزيف المؤلم، عبر تبني سياسات حمائية عاجلة وفعالة، تضع حياة الأطفال ومصالحهم في صلب أولوياتها.