
تفاجأ ساكنة مدينة مراكش والمناطق المجاورة، صباح اليوم الثلاثاء 16 دجنبر 2025، بتوقف حافلات النقل الحضري وشبه الحضري التابعة لشركة “ألزا” عن العمل، ما تسبب في شلل كبير في حركة التنقل، خاصة بالنسبة لساكنة المراكز والقرى المحيطة بالمدينة.
وحسب المعطيات التي توصلت بها صحيفة “المراكشي”، فقد وجد عدد كبير من المواطنين صعوبة بالغة في الالتحاق بمقرات عملهم ومؤسساتهم التعليمية داخل مدينة مراكش، في ظل غياب وسائل نقل بديلة قادرة على استيعاب هذا التوقف المفاجئ.
ويأتي هذا الوضع في سياق توتر اجتماعي داخل شركة “ألزا”، حيث هدد عمال الشركة بخوض أشكال احتجاجية للمطالبة بتسوية وضعيتهم المهنية قبل الانسحاب النهائي للشركة المشغلة، وتولي الشركة الجديدة تدبير قطاع النقل الحضري بالمدينة.
ويأتي هذا في ظل الحديث عن تأجيل إعطاء الانطلاقة الرسمية لخدمة أسطول النقل الحضري الجديد التابع لشركة “سوبراتور”، والذي كان من المرتقب أن يتم اليوم.
ووفق معطيات توصلت بها الصحيفة، فقد كان مقررا الشروع في تشغيل أسطول جديد يتكون من 207 حافلات حديثة، مخصصة بالكامل للنقل الحضري داخل مدينة مراكش، على أن تعتمد شركة “سوبراتور” مؤقتا على حافلات “ألزا” لتأمين الخطوط الرابطة بين مراكش ونواحيها، في انتظار وصول الدفعة الثانية من الأسطول التي تضم حوالي 141 حافلة، والمرتقب تسلمها خلال شهر ماي المقبل، كما يتضمن البرنامج 17 حافلة تم منحها لمراكش في إطار هبة من كوريا الجنوبية.
ويترقب المواطنون تدخلا عاجلا من الجهات المعنية لإيجاد حل سريع يضمن استمرارية خدمة النقل العمومي، ويجنب المدينة ومحيطها مزيدا من الارتباك والمعاناة اليومية.
وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع المنارة مراكش، عبّرت عن قلقها الشديد إزاء استمرار أزمة النقل الحضري وشبه الحضري بالمدينة، معتبرة أن انتقال تدبير القطاع من شركة “ألزا” الإسبانية إلى شركة “سوبراتور” المغربية لم يُحدث أي تغيير جوهري، بل ساهم في إعادة إنتاج نفس الاختلالات القائمة على منطق الاحتكار والربح السريع، في ظل غياب رؤية تنموية حقيقية.
وأكدت الجمعية في بلاغ توصلت صحيفة “المراكشي”، أن مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة” لم يتجاوز، حسب تعبيرها، كونه واجهة دعائية، بعدما فشل في تحقيق أهدافه، خصوصا في مجال النقل الحضري، حيث ما تزال الطرقات في وضعية متدهورة، والأرصفة مكسرة، والحفر تعيق حركة السير، فيما تحولت الحافلات الكهربائية، التي خُصصت لها ميزانيات ضخمة، إلى رمز للهدر المالي وسوء التدبير.
وانتقد البلاغ التمديد السابق لشركة “ألزا” لثماني سنوات إضافية، واصفا إياه بـ”عنوان التواطؤ”، بالنظر إلى استمرار الأعطاب اليومية وتدني جودة الخدمات، مما عمّق معاناة الساكنة وضرب الحق في التنقل، وحمّلت الجمعية وزارة الداخلية مسؤولية مباشرة في تعطيل الصفقات والتحكم في القطاع، معتبرة أن ذلك يُفرغ الديمقراطية المحلية من مضمونها ويقوّض دور الهيئات المنتخبة.
وبخصوص دخول شركة “سوبراتور”، اعتبرت الجمعية أن تقديم أسطول جديد من الحافلات لا يعدو أن يكون محاولة لتسويق نفس المنطق الطبقي، من خلال رفع تسعيرة التذاكر وتحميل الكلفة للطبقات الشعبية، دون الاستجابة لمطالب فتح تحقيقات في عقود التدبير السابقة التي تحوم حولها شبهات فساد، خاصة ما يتعلق بعقود المناولة وحقوق الشغيلة.
وسلط البلاغ الضوء على معاناة فئات واسعة من المواطنين، خصوصا العاملات والعمال القاطنين بأحياء المسيرات والضحى بسبب غياب خطوط تربطهم بالحي الصناعي، إضافة إلى الصعوبات التي يواجهها التلاميذ، خاصة في السلك التأهيلي، نتيجة غياب الربط بين المدينة ومناطق مثل سعادة، السويهلة، دار السلام، ودواوير مجاورة.
واستندت الجمعية في موقفها إلى مقتضيات الفصل 31 من الدستور المغربي، والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، مؤكدة أن الحق في التنقل حق أساسي لا يمكن تحويله إلى امتياز أو مجال للاستغلال التجاري.
وفي ختام بلاغها، طالبت الجمعية بجملة من الإجراءات، من بينها الاعتراف بفشل مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”، وفتح تحقيق شامل في مشروع الحافلات الكهربائية، والكشف عن تفاصيل الدعم الممنوح للشركات المفوضة، واعتماد مخطط نقل حضري حديث ومستدام يربط جميع الأحياء والمناطق المحيطة بالمدينة، مع ضمان حقوق الشغيلة وإشراك المجتمع المدني والمواطنين في الحق في المعلومة.
وشددت الجمعية على أن استمرار الوضع الحالي يعني تحميل المواطن المراكشي كلفة يومية مرتفعة مقابل خدمة متدهورة، معتبرة أن ما يجري يمثل انتهاكا ممنهجا للحقوق الأساسية، ودعت إلى وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة.



