Site icon Almarrakchi

من وعود الثراء إلى الاختفاء المفاجئ.. منصة رقمية تُوقِع عشرات المغاربة في فخ الاحتيال

تبخّرت أموال وآمال عشرات المواطنين في عدد من المدن، بعدما سقطوا في فخ منصة رقمية حديثة العهد، سرعان ما اختفت من الفضاء الرقمي، مخلفة وراءها ضحايا أغرتهم وعود الربح السريع، حيث أقنعتهم بمبالغ بسيطة في البداية قبل أن تستولي على أموال أكبر.

المنصة، التي لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر، بدأت نشاطها خلال شهر ماي الماضي، قبل أن تنهي عملياتها الاحتيالية مع اقتراب نهاية السنة، مستعملة إعلانات عابرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تروج لفرص عمل سهلة وغير مكلفة، مع أرباح يومية مضمونة مقابل مهام شكلية لا تتطلب خبرة أو مجهودا كبيرا.

هذا العرض المغري دفع عددا من المواطنين إلى خوض التجربة، قبل أن يكتشفوا لاحقا أنهم وقعوا ضحية وهم الاغتناء السريع.

منصة بواجهة تسويق رقمي

قدّمت المنصة نفسها على أنها شركة دولية متخصصة في التسويق الرقمي، تعرض دخلا يوميا مقابل مشاهدة الإعلانات، وزيادة عدد المشاهدات، وتحميل بعض التطبيقات، غير أن الشكايات التي توصلت بها الجهات القضائية كشفت أن الأمر لم يكن سوى غطاء لعملية نصب واسعة.

وحسب شكايات عدد من الضحايا، فإن الشركة بدأت تسويق نشاطها بالمغرب منذ شهر ماي، وادعت فتح مكاتب لها بعدة مدن، من بينها أكادير وأيت ملول وإنزكان، قبل أن تمتد إلى خنيفرة والجديدة. كما روجت لحاجتها إلى مستخدمين مقابل أرباح يومية تبدأ من 8 دراهم، وترتفع تدريجيا عبر مستويات.

غير أن الانتقال بين هذه المستويات كان مشروطا بإيداع مبالغ مالية، تبدأ من 224 درهما في المستوى الأول، و1130 درهما في الثاني، وتصل إلى 3366 درهما في الثالث، ومع تلقي بعض المنخرطين تحويلات مالية في البداية، تعززت الثقة واتسعت دائرة المنخرطين.

مكاتب واحتفالات لتعزيز المصداقية

وساهم انتقال المنصة من الفضاء الافتراضي إلى الواقع في ترسيخ مصداقيتها لدى الضحايا، من خلال فتح مكاتب فعلية وتنظيم لقاءات واحتفالات، جرى توثيقها في صور ومقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي.

كما اعتمدت الشركة أسلوب التسويق الهرمي، حيث يحصل المنخرطون على مكافآت مقابل استقطاب أشخاص جدد، ما أدى إلى توسع سريع في قاعدة الضحايا.

خطاب إنساني واختفاء مفاجئ

إلى جانب الوعود المالية، روّجت المنصة لخطاب إنساني، متحدثة عن مبادرات خيرية وهدايا وامتيازات، وهو ما تم توثيقه بدوره في محتويات مصورة، غير أن هذا المشهد انهار بشكل مفاجئ مع نهاية سنة 2025، حين توقفت المنصة عن صرف الأرباح، وبدأت تؤجل عمليات السحب، قبل أن تختفي حساباتها نهائيا من مختلف المنصات الاجتماعية.

كما تلقى المشرفون على المكاتب المحلية تعليمات بإغلاقها دون سابق إنذار، ليخرج عدد من الضحايا في مقاطع فيديو يروون تفاصيل ما حدث، مؤكدين أن بعض المسيرين المحليين وجدوا أنفسهم بدورهم ضحايا.

شكايات وتحقيقات قضائية

أمام هذا الوضع، تقدم المتضررون بشكايات إلى وكلاء الملك بعدة محاكم ابتدائية، من بينها الرباط وأكادير وبنسليمان وخنيفرة، مطالبين بمتابعة الشخص الذي كان يقدم نفسه مديرا للشركة بالمغرب، إلى جانب سيدة تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، بتهم النصب والاحتيال وخيانة الثقة والاستيلاء على أموال الغير.

كما شرع الضحايا في تجميع وثائق التحويلات المالية التي تمت عبر حسابات بنكية مغربية، لتسهيل عمل السلطات الأمنية التي باشرت تحقيقاتها، وأسفرت عن توقيف الشخص الذي كان ينسق ويدير نشاط الشركة بالمغرب، علما أنه سبق له أن ظهر في تسجيل مصور يطمئن الضحايا باسترجاع أموالهم.

سيناريو يتكرر

وتعيد هذه القضية إلى الواجهة التحذيرات المتكررة من مخاطر الانسياق وراء إغراءات الربح السريع، خاصة عبر المنصات الرقمية، حيث تتكرر الأساليب نفسها بأسماء وشعارات مختلفة.

ولعل من أبرز الأمثلة القريبة، قضية “مجموعة الخير” التي أوقعت بدورها عشرات الضحايا في مدن شمال المملكة، وفق السيناريو ذاته تقريبا.

قصص تتشابه في تفاصيلها، وتختلف فقط في الواجهة، لكنها تنتهي دائما بخسائر مادية وصدمات نفسية ومسارات قضائية طويلة، في وقت يبقى فيه الوعي والحذر والتمحيص السبيل الأنجع لتفادي الوقوع في فخ “لعنة الربح السريع”.

Exit mobile version