
وجّه المستشار البرلماني عبد الرحمان وافا، عن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، سؤالا كتابيا إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار حول الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لتعزيز دعم مرصد أوكايمدن الفلكي، التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، بهدف تمكينه من الموارد المالية والتقنية اللازمة لتطوير أدائه وضمان استمرارية إشعاعه العلمي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويأتي هذا السؤال في سياق تزايد التحديات المرتبطة بتنافسية البحث العلمي الفضائي، وارتفاع سقف الإنجازات في دول صاعدة مثل الهند، التي كرّست استثمارات ضخمة مكنت مؤسساتها العلمية من تسجيل اختراقات استراتيجية في مجال علوم الفضاء والفلك.
مرصد وطني بامتداد عالمي
يُعد مرصد أوكايمدن أحد أبرز معالم البنية العلمية في المغرب، ومن بين المراكز القليلة في القارة الإفريقية التي نجحت في فرض اسمها في مجال البحث الفلكي على الصعيد العالمي، بفضل توافر تجهيزات علمية متطورة وطاقات مغربية مشهود لها بالكفاءة.
وقد تمكن المرصد، خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق سلسلة من الاكتشافات والإنجازات العلمية التي لاقت صدى دوليا واسعا، ففي سنة 2022، شارك ضمن تحالف دولي من كبريات التلسكوبات في رصد أقوى انفجار لأشعة “غاما” تم تسجيله على الإطلاق، ما شكل حدثا علميا بارزا في مجال الفيزياء الفلكية.
وفي عام 2024، ساهم المرصد في اكتشاف كوكب خارجي جديد يحمل اسم “SPECULOOS-3b”، بحجم مماثل للأرض ويدور حول نجم قزم فائق البرودة، وهو اكتشاف يفتح آفاقًا جديدة للبحث عن حياة خارج النظام الشمسي.
كما ساهم سنة 2023 في دراسة علمية نشرتها مجلة Nature حول اكتشاف حلقات حول الجسم العابر لنبتون “Quaoar”، وهو اكتشاف نادر من شأنه تطوير الفهم العلمي لآليات تشكل الحلقات حول الأجرام السماوية. ويرجع له كذلك فضل اكتشاف الكويكب الثنائي “2017 YE5″، الذي يتكون من جسمين متماثلين في الكتلة، ما وفر قاعدة بيانات جديدة لفهم خصائص الكويكبات.
وكان للمرصد أيضا دور محوري في اكتشاف النظام الكوكبي الشهير TRAPPIST-1، الذي يتضمن سبعة كواكب صخرية بعضها يقع في المنطقة القابلة للحياة، ما جعله محل اهتمام علمي عالمي.
بنية تحتية متقدمة وشبكة تعاون دولي
يتوفر مرصد أوكايمدن على تلسكوبات متقدمة من بينها “TRAPPIST-North” و”MOSS”، ويشارك في شبكة OWL-Net لمراقبة الحطام الفضائي والأجسام القريبة من الأرض، مما يعزز من مساهمته في السلامة الفضائية الدولية.
كما يمثل المرصد منصة فريدة للتبادل العلمي، من خلال تنظيمه المنتظم للمدرسة الدولية لعلم الفلك (OISA)، التي تستقطب باحثين وطلبة من مختلف بقاع العالم، في إطار تعزيز التكوين العلمي وتبادل الخبرات في مجالي الفلك والفيزياء الفلكية.
أولمبياد فلكي لتأهيل الكفاءات المستقبلية
وفي خطوة ترمي إلى توسيع إشعاعه المجتمعي والعلمي، أطلق المرصد خلال أبريل 2025 النسخة الأولى من “أولمبياد علم الفلك” تحت شعار: “علم الفلك يلهم أحلامنا”، بهدف نشر الثقافة العلمية وتحفيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الشباب المغربي.
ويشكل هذا الحدث الأول من نوعه على الصعيد الوطني مبادرة رائدة لتأهيل الأجيال الصاعدة وتوسيع قاعدة المهتمين بالعلوم الدقيقة، خصوصًا في ظل الحاجة الماسة إلى بناء رأس مال بشري عالي الكفاءة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا الفضائية.
سؤال محوري حول مستقبل البحث الفلكي بالمغرب
في ضوء هذه الإنجازات، طرح المستشار البرلماني عبد الرحمان وافا تساؤلات محورية حول مستقبل المرصد، مطالبا الوزارة بالكشف عن الخطط المعتمدة أو المرتقبة لتقوية بنيته التحتية وتحفيز الشراكات الدولية، بما يمكن المغرب من الحفاظ على تنافسيته العلمية في ميدان يشهد سباقا متسارعا بين الدول الكبرى.
وأكد وافا على أن مرصد أوكايمدن يمثل “رأسمالا علميا واستراتيجيا” يجب حمايته وتطويره، عبر تمكينه من الدعم المالي والتقني الكافي، ليواصل أداءه المتميز في مجالات البحث، التأطير، والابتكار.